جراءات وأشكال التطبيع البيداغوجي، عبر تدبير وتنشيط وضبط أنشطة تلامذته، بتوجيهها نحو الأهداف المصوغة.
بالتالي، لم يعد شخص المدرس، ذلك القائد النموذجي أو القطب، المسيطر –بشكل شبه تام- على اتجاهات ومصادر إنتاج المعرفة. وقد تم التطرق إلى مختلف كفايات التنشيط في هذا المقال المتواضع، وفق مقاربة تحليلية، عبر تفكيكمختلف القدوظيفة التتبع والمراقبة:توجد عدة مهام وقدرات يوظفها المدرس أثناء التنشيط، تتمثل في إدماج العناصر الشاردة في أجواء العمل الجماعي بلطف ولباقة، والحد من الثرثرة بتكليف الشاردين بعدة أدوار، ودعوتهم للتدخل، أو تلخيص وإعادة صياغة تدخلات الآخرين.
توجد بجانبها القدرة علىتنظيم طريقة توزيع الكلمة والأدوار والمهام بين أعضاء فريق العمل، وتنظيم اتجاهات العلاقات التفاعلية ووتيرة التدخلات، بناء على المساواة والإنصاف، لتعميم التجارب الناجحة والاستفادة منها. تليها القدرة على التحكم في تدبير عامل الزمن بشكل محكم، انطلاقا من جدول أعمال جماعي دقيق، لضبط سيرورة التعلمات ووتيرة تدفقها وسيولة أفكارها.
ج- التحكم في تقنيات التدبير:يتطلب التنشيط توظيف المدرس وتطويره لثلاث قدرات رئيسية، تتمثل في التعزيز والتحفيز وما يرتبط بهما من أساليب التشجيع، والقدرة على موضعة التدخلات عن طريق ضبط مواقف التوتر للحد منها، مع تجنب التعصب للآراء الذاتية، إلى جانب الحرص على الحد من التفاعلات السلبية، والخلافات والنـزاعات السلوكية العدوانية، قصد إعادة التوازنات المختلة. بذلك، يتدخل عامل قوة الشخصية لدى المدرس، ومدى قدرته على التأثير الإيجابي، وتحليل وفهم العلاقات واتجاهات التجاذب فيها وطبيعتها، مع ضبط أنماطها.
أخيرا، هناك القدرة على تنمية ملكة التعبير الشفوي لدى التلاميذ، عن طريق منحهم الفرصة للتدخل، وتوجيه الاستفسارات، والإسهام في رفع الغموض عن بعض المواقف اللغوية أو العلمية، والتعبير عن الاتجاهات والقرارات الفردية والجماعية.
عموما، تتشعب وتتداخل أدوار المنشط، يمكن إجمالها في عدة أنواع بهدف التمييز بينها:
ü دور المنسق: بتوجيه العمل داخل فريق العمل، والإشراف عليه باستمرار، والتدخل للتنسيق بين التلاميذ وورشات العمل الجماعي.
ü دور المنظم:بالسهر على توزيع الأدوار والمهام، وخلق مجموعات عمل منسجمة...
ü دور القائد: على رأس المجموعة الفصلية، لتدبير سيرورة التعلمات، وقيادة الأنشطة التربوية، وضبط البناء المعرفي، ووتيرة الإيقاع الزمني لتراكماته.
ü دور المتتبع: بمراقبة وتيرة الإنجاز، وضبط المناخ العـام المسيـطر –سيكولوجيا- على المتعلمين، مع اتخاذ كافة الإجراءات التنظيمية الخاصة بتدبير جماعة الفصل، وطبيعة التفاعلات العلائقية، والإنتاجات الفكرية، مع تقويم هذه المكونات وضبطها وتحليلها...
ü دور المستشار:بالتزويد بالنصائح والتوجيهات، للتغلب على الصعوبات...
ü دور المحفــز: بتعزيز مواطن القوة في التفاعلات المواقفية والثقافية لدى المتمدرسين، والمساعدة على تجاوز نقط الضعف في تكوينهم وتمثلاتهم...
ü دور المكـون: بمنح الفرصة الحقيقية للمتعلمين للبحث وبناء التعلمات وشحذ طاقاتهم، وتنمية مؤهلاتهم وتطويرها، في ظل العمل بروح الفريق.
üدور المخطـط:بإخضاع منهجية العمل لتخطيط ديداكتيكي محكم، انطلاقا من التحديد الدقيق لأهداف الأنشطة التربوية، مرورا بتحديد الآليات، واختيار الطرائق النشيطة للتنفيذ، وصولا إلى بلورة خطة للتقويم والتتبع.
ü دور المقــرر:بالتدخل في الوقت المناسب، للحسم في المواقف الكبرى، من أجل تحقيق أهداف الأنشطة التربوية بتوافق مع أعضاء الجماعة واتجاهاتهم الفكرية.
الخلاصــة:
تتموقع كفايات التنشيط، على اختلاف أنماطها وتفرعاتها وامتداداتها، وطرائقها ومقارباتها البيداغوجية، في صلب استراتيجية التدريس بالكفايات، حيث يتخذ التعلم طابع المبادرة الذاتية الصادرة عن كل تلميذ، في إطار العمل بروحالفريق. بذلك، يصبح قطب الرحى الموجه لكل نشاط تربوي. في الحين، الذي يصبح فيه المدرس، وسيطا ومشرفا بيداغوجيا، ينكب على تنظيم العلاقات داخل فريق العمل، يوجه جميع العمليات والإرات والآليات والطرائق المؤسسة لوظائف التنشيط، قصد التمييز بينها، وإبراز أنماط التجاذب بين مكوناتها. في الحين، الذي يمارس فيه التنشيط في الفضاء الصفي الدراسي، في شكل كفايات معقدة ومتداخلة ومتشابكة، يستحيل معها فصل الجانب العلائقي الإنساني فيها، عن الجانب الإبستمولوجي، أو الديداكتيكي.
إنه بإنعاش التفاعلات والحياة في الفصل الدراسي، وإدماجها في قاعدة الطرائق التنشيطية الحية، نكون فعلا بصدد الإسهام الحقيقي، في إنعاش خلية الإنتاج الأساسية في الحياة المدرسية، والتي نريد لها نفسا جديدا وفضاء ديناميا لبناء الذات البشرية، على أساس المواطنة الصالحة والانخراط الفعال في البنية المجتمعية، بتربية وتكوين الشخصية المسؤولية والناضجة، في إطار نسيج علائقي ديمقراطي متفتح وواعد.